الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

شهادة الدكتور غسان ضيف حول عتقاله والتعذيب الذي تعرض له

الدكتور غسان ضيف

الدكتور غسان ضيف، 46 عاما، طبيب متخصص في جراحة الفم والوجه والفكين. تخرج من جامعة الملك سعود عام 1990 بدرجة امتياز. تلقى تدريبه باسكتلندا وأيرلندا لدى الكلية الملكية للجراحين في أيرلندا، وحصل على الزمالة في جراحة الفم عام 1994. في العام 2005 تمت ترقيته إلى درجة استشاري بمجمع السلمانية الطبي (SMC)، وشغل رئاسة القسم بين عامي 2006 و 2010.

عمل الدكتور ضيف محاضرا في كلية العلوم الصحية ورئيسا للجنة تراخيص طب الفم والأسنان في البحرين بين عامي 1996 و2006. في العام 2007 أصبح قائدا لفريق سيارات الإسعاف في عملية اعتماد مجمع السلمانية الطبي بالاعتماد الكندي. منذ العام 2006 إلى العام 2008 شغل منصب الأمين العام لجمعية أطباء الفم والأسنان البحرينية.

الدكتور غسان ضيف عضو في كل من الجمعية البريطانية لجراحي الفم والوجه والفكين، الرابطة الدولية لجراحي الفم والوجه والفكين، والرابطة العربية لجراحة الفم والوجه والفكين.

غسان أيضا مؤسس لجمعية الكوثر للأيتام، ونائب رئيس مجلس إدارة صندوق مدينة عيسى الخيري. متزوج من الدكتورة زهرة السماك، استشارية تخدير بمجمع السلمانية الطبي والتي اعتقلت هي أيضا، وبإمكانكم قراءة قصتها من هنا. لديه ثلاثة أطفال، أعمارهم 18، 14 و10 سنوات.


اتهم الدكتور غسان ضيف بالمخالفات التالية وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما:
- محاولة احتلال مبنى عام بالقوة (مستشفى السلمانية)؛
- الترويج لإسقاط النظام وتغيير النظام بوسائل غير مشروعة؛
- احتجاز (شرطي) بالقوة؛
- إشاعة أخبار كاذبة عن الجرحى؛
- التحريض على كراهية النظام الحاكم؛
- المشاركة ودعم الاحتجاجات والمسيرات غير المرخصة؛
- الترويج للكراهية الطائفية؛
- الامتناع عن القيام بمهام الوظيفة، بهدف عرقلة العمل الطبي، وبالتالي تعريض صحة الناس وحياتهم للخطر؛
- عدم إبلاغ السلطات بالجنايات؛

تلقى موقع (Doctors in Chains) هذه الشهادة الشخصية من الدكتور غسان ضيف بشأن ما حدث له قبل وبعد اعتقاله:

"بدأت قصتي يوم 17 فبراير 2011 في الساعة 4:30 صباحا حين تلقيت اتصالا من المستشفى يطلب مني الحضور إلى قسم الحوادث والطوارئ بمجمع السلمانية الطبي لتقييم الإصابات التي جلبت من دوار اللؤلؤة. هرعت إلى المستشفى حيث وجدته بحالة من الفوضى ومليئا بالضحايا وأقاربهم. بدا واضحا تفعيل خطة مواجهة الكوارث في المستشفى. كانت الكوادر الطبية تركض في أروقة المستشفى باتجاه قسم الطوارئ. أعلن مركز المناداة  بضرورة توجه كل الأطباء لقسم الطوارئ للمساعدة. غرفة الإنعاش (RR) كانت مليئة بالحالات المصابة بجروح خطيرة. وكانت غرف الطوارئ مليئة بالمتظاهرين المصابين بجروح مختلفة. الضحايا يتدفقون بشكل كبير على قسم الطوارئ ممن جلبتهم سيارات الإسعاف. بدأت البحث عن هؤلاء الذين يعانون من إصابات في الوجه. قمنا بتنفيذ العلاجات الضرورية مثل (خياطة الجروح، السيطرة على النزيف، وإدارة مجرى الهواء) بصورة عاجلة. كان المشهد مخيفا للغاية. استدعيت لرؤية الدكتور صادق العكري الذي تعرض للضرب على يد الشرطة وأصيب بكدمات في الوجه واسوداد في العين وكسور في عظام الوجه إلى جانب إصابات أخرى في أنحاء مختلفة من جسمه. في ذلك اليوم توفي أربعة متظاهرين. توقفت خدمة سيارات الإسعاف حوالي الساعة 8:45 صباحا، وكان الطاقم الطبي يشعر بغضب شديد بسبب إحضار المزيد من المتظاهرين بسيارات مدنية وعدد قليل من قبل ذويهم. كذلك، تم إحضار مسعفين وسائقي سيارات الإسعاف للمستشفى بعد تعرضهم للضرب على يد قوات الشغب. كانت بينهم عدة إصابات. أما سيارات الإسعاف فتم نقلها بعيدا عن المستشفى مما أدى لمزيد من الفوضى، وعليه هرع الموظفون إلى إدارة المستشفى لمزيد من التوضيحات، كما انتشرت شائعات بأن خدمات سيارات الإسعاف قد أوقفت من قبل إدارة المستشفى نفسها. استؤنفت خدمات سيارات الإسعاف لدوار اللؤلؤة في الساعة 11.45 صباحا. ثم انتشرت مزيد من الشائعات بأن جرحى الاحتجاجات تم أخذهم إلى مكان مجهول من قبل شرطة مكافحة الشغب.

في يوم 18 فبراير، اندلعت اشتباكات جديدة بين المحتجين وقوات مكافحة الشغب أدت لمزيد من الإصابات بين المحتجين. حصلت حالة من الفوضى مرة أخرى مع إفراط في استخدام القوة مما نتج عنه مزيد من الحالات الخطيرة والعواقب الوخيمة. أظهر الطاقم الطبي كفاءة واحترافا في التعامل مع الإصابات المهددة للحياة والتي تتطلب اهتماما عاجلا. قام المستشفى بتفعيل خطة مواجهة الكوارث، وتم نقل المحتجين الجرحى الذين يحتاجون تدخلا جراحيا عاجلا إلى غرف العمليات. تم تشغيل قسم الطوارئ على النحو الأمثل.

تم اعتقالي في مطار البحرين الدولي بتاريخ 19 مارس 2011 في تمام الساعة 3:30 بعد الظهر بينما كنت مسافرا مع عائلتي إلى لندن، على يد مجموعة من الرجال الملثمين يرتدون ملابس مدنية. كبلوا يدي إلى الخلف وغطوا وجهي بكيس أسود مشدود بقوة حول رقبتي أمام عائلتي. نقلوني إلى إحدى الغرف، وتم ضربي على رأسي، وصدري وساقي من دون توجيه أي تهم أو أي سبب للاعتقال. كنت أصرخ من شدة الألم وبقيت أصرخ (سأموت) لكنهم لم يظهروا أي رحمة. استمر هذا الأمر لساعة تقريبا مع وجود 5 أو 6 أشخاص في تلك الغرفة. سألتهم عن سبب احتجازي فأجابوا بأنك ستعرف ذلك بعد أن تموت.

بعد ذلك، تم نقلي بواسطة سيارة على هذه الحال إلى مكان مجهول، وبعد 10 أيام عرفت أن هذا المكان هو إدارة التحقيقات الجنائية (CID).

في إدارة المباحث الجنائية، تعرضت للضرب على يد سيدة من العائلة المالكة على جميع أنحاء جسمي بالركل، والضرب بالخراطيم البلاستيكية والعصي. صفعتني على وجهي ولكمتني أيضا. أغمي علي للحظات، فقاموا برش الماء على وجهي واستعدت وعيي. كان وجهي غارقا بالدم الذي كان ينزف من فمي وأنفي. بعدها تم نقلي إلى أحد المكاتب حيث تعرضت لتعذيب جسدي ولفظي وديني دون أن يسمح لي بالكلام. طلبت حضور المحامي وسألت عن عائلتي، فأجابوني بأنك ستراهم عندما تذهب إلى المقبرة. تم استجوابي لمدة 30 دقيقة، سألوني فيه عن عائلتي ومهامي الوظيفية في المستشفى، ودخلي الشهري ومشاركتي مع المحتجين. قلت لهم بوضوح أنني طبيب أقوم بواجباتي ومسؤولياتي في المستشفى فقط. أجبرني المحقق تحت وطأة التعذيب وسوء المعاملة على قبول هذه التهم مثل قيادة المتظاهرين، قتل جرحى الاحتجاجات من خلال توسيع جراحهم، واستغلال وسائل الإعلام لبث معلومات كاذبة، والحصول على أدوية غير مشروعة من المستشفى، والتحريض على الإطاحة بالنظام، وحيازة أسلحة وتدبير الخطط لرفض دستور البحرين. أنكرتها جميعا لكنني أجبرت على الاعتراف بها تحت وطأة التهديد والتعذيب. أعطوني أوراقا للتوقيع عليها دون السماح لي بقراءتها. بقيت واقفا تلك الليلة وكنت أسمع صراخ أخي الدكتور باسم وهو يتعرض للتعذيب.

في اليوم التالي، وضعوا كلا منا في الحبس الانفرادي لمدة 7 أيام، لم يسمح لنا خلالها بالنوم أو الذهاب إلى الحمام. استمر وقوفي على قدمي العاريتين ويداي مقيدتان إلى الخلف، وخلاله تعرضت للتعذيب في كل ساعة بالركل والضرب بالعصي الخشبية، والخراطيم المطاطية، والزجاجات البلاستيكية والأسلاك الكهربائية. تعرضت للتعذيب، والشتم والتعدي على معتقداتي الدينية بكلمات بذيئة مثل (الرافضي، المجوس، ابن المتعة). كما شتموني بكلمات نابية مثل (ابن العاهرة، الحمار) وتحرشوا بي جنسياً. بدأت أشعر بالإنهاك والهلوسة وانتابتني أفكار انتحارية.

في اليوم الثامن، تم نقلي إلى مكان آخر وتعرضت لذات الانتهاكات ولكن درجة التعذيب كانت أكبر. أحيانا يغمى علي بسبب نقص السكر وبسبب التعذيب. أحد الأمور الغريبة في موضوع التعذيب وسوء المعاملة هو قسوة الحراس في النوبة الليلية التي تستمر عادة 12 ساعة. كانوا في غاية العدوانية وبلا رحمة. على ما يبدو أنها كانت تعليمات من رؤسائهم لتكثيف التعذيب باستخدام كافة الوسائل الممكنة. نظرا لكمية التعذيب والإرهاق الذي تعرضت له، أغمي علي في إحدى الليالي فسحبوني على الأرض بعد ركلي على جميع أنحاء جسمي وضربه بالجدار على طول الطريق إلى المرحاض. ألقوني هناك على الأرض وطلبوا مني غسل وجهي. وفي طريق العودة، حدث الأمر نفسه وبطريقة مماثلة أدت بي إلى الانهيار.

في اليوم الرابع عشر، نقلوني للاستجواب مرة أخرى على يد أحد الأشخاص الذي بدأ جلسة الاستجواب مباشرة بتعذيبي ومعاملتي بسوء بشكل مكثف. ركلني بحذائه، وضربني بأدوات صلبة وعرضني لصعقات كهربائية. شتمني وشتم معتقداتي الدينية وعائلتي. هددني بأنه سيغتصب زوجتي وابنتي. طلبت حضور محامي الخاص وعائلتي. لكن في المقابل، تعرضت لتعذيب شديد. استمر التحقيق من 6 إلى 8 ساعات، وكان لا يسمح لي بالإجابة على الأسئلة بشكل مريح بل أجبرت على الاعتراف بالطريقة التي يريدها. لم توجه لي اتهامات محددة. سئلت عن راتبي ودخل عيادتي الخاصة. كما وجهوا لي أسئلة غريبة حول معتقداتي الدينية المالية (الخمس). عرضوا علي مفاتيح سياراتي الخمس وأخبروني أنهم أخذوها ولن يتم إعادتها لي. في وقت لاحق، أخبرتني زوجتي بأن السيارات قد تمت مصادرتها في يوم 19 مارس، وتم اقتحام منزلي بطريقة غير قانونية وأن الأشياء الثمينة بما فيها النقود والأجهزة الالكترونية قد سرقت. كسرت الأبواب وتم مصادرة وثائق الملكية الخاصة. أجبرني على الاعتراف بأني جزء من مخطط للإطاحة بالنظام، والمبالغة في أعداد المحتجين، وسرقة الدم من بنك الدم التابع لمستشفى السلمانية. في نهاية جلسة التحقيق، أجبرت على توقيع أوراق لم يسمح لي بقراءتها.

استمر التعذيب ليلا ونهارا بشكل أكثر تركيزا لإيقاع أكبر قدر ممكن من الضرر وإحداث تشوهات وإعاقات دائمة.

تعرضت للصفع على جانبي وجهي مما أدى إلى ثقب في طبلة الأذن، وطنين ودوار أيضا. طلبوا مني أيضا الغناء والرقص بينما كانوا يسخرون مني. كما طلبوا مني أداء النشيد الوطني تحت التعذيب وسوء المعاملة. في مناسبات عدة تم نقلي إلى مكتب مدير التحقيقات مع مجموعة من الطاقم  الطبي بمن فيهم الدكتور نادر ديواني، والدكتور عبدالخالق العريبي والدكتور محمود أصغر. تعرض الدكتور نادر لضرب عنيف وتعذيب وحشي، وكنت أسمع صراخه من شدة الألم. كانوا دائما ما يدعونه بالإيراني، الصفوي، المجوسي الخائن. تعرض لتعذيب قاس ومبرح دون مراعاة لسنه وحالته الصحية. عانيت من هذا الوضع كثيرا وخشينا عليه أن نفقده.

في اليوم العشرين، أخذت لمزيد من الاستجواب من قبل النيابة العسكرية. وهناك طلبت حضور المحامي لكن قوبل طلبي بالرفض. سئلت عن دوري في ثورة 14 فبراير، الأمر الذي أنكرته كطبيب أؤدي واجبي في المستشفى في معالجة المصابين والجرحى. أجبرت على الاعتراف على زملائي تحت التهديد والتعذيب. بعد أكثر من 8 ساعات من الوقوف، أجبرت على توقيع تلك الأوراق دون السماح لي بقراءتها. لم تكن هناك اتهامات محددة ضدي ما عدا بث إشاعات كاذبة إلى وسائل الإعلام.

في نفس تلك الليلة، تعرضت للركل على ظهري من قبل أحد الجلادين. كنت أصرخ من شدة الألم وشعرت بشلل وخدر في الجانب الأيسر من ظهري وساقي وأردافي وقدمي. نقلت إلى عيادة القلعة تحت وطأة التعذيب. وهناك كان الطاقم الطبي قاسيا، غير أخلاقي وبلا قيم. تعرضت لهجوم جسدي إذ قاموا بلف وجهي كله بضمادة كريب مع تجنب فمي للتنفس. حاولت الممانعة لأنني كنت أختنق وحاولت أن أشرح ذلك ولكن في المقابل كانوا أكثر وحشية وبلا رحمة. سحبوني كالشاة على الأرض بعد أن أمر الضابط بإخلاء الممر المؤدي إلى غرفة الأشعة من كل الموظفين. على الرغم من أن إصابتي في الظهر كانت تسبب لي ألما شديدا ومعاناة كبيرة، إلا أن طاولة الأشعة وضعت بطريقة تزيد من ذلك الألم. عوملت بطريقة فظيعة وهمجية على الرغم من أنني في عيادة طبية. أجروا لي فحصا للأشعة السينية وفحصا للبول. رفضوا إعطائي أي مسكنات للألم وبدلا من ذلك أعطوني حقنة لمدة نصف ساعة. خلال هذا الوقت، تعرضت لتحرش جنسي وتهديد بالاغتصاب لي ولزوجتي وابنتي. كنت عاطفيا جدا بسبب تلك المعاناة وأنا عاجز عن القيام بأي شيء. لم يتم إخباري عن إصابتي أو نتائج الأشعة والمختبر.

في الليلة ذاتها، أرجعوني إلى إدارة المباحث الجنائية والتقيت مرة أخرى بتلك السيدة التي تنتسب للعائلة المالكة والتي قامت بضربي على نفس تلك المنطقة. بعدها نقلوني إلى مكان آخر عرفت لاحقا أنه سجن الحوض الجاف للتوقيف المؤقت. استمرت المأساة هناك وازداد حجم التعذيب الجسدي واللفظي. تبدل الأشخاص المعنيون إلى أشخاص من أصول آسيوية كما كان واضحا من لهجتهم العربية، وكانت معاملتهم لنا تتسم بالوحشية والشدة.

بقيت معصوب العينين ومكبل اليدين مرة أخرى لمدة 4 أيام. بعدها رفعوا هذه القيود وأعطوني فراشا، ووسادة وبطانية متسخة. استمرت معاناتي بسبب قسوة الحراس واكتظاظ  الزنزانة والظروف غير الصحية. سمح لنا بالاستحمام مرة واحدة فقط في الأسبوع، وأما الذهاب للمرحاض فكان يتم بطريقة لا إنسانية.

لم يكن لدي ملابس غيار لمدة 6 أسابيع، فقد رفضوا الاتصال بعائلتي. كان الوضع صعبا ولا يحتمل بسبب فظاظة الحراس وقسوتهم ووحشيتهم. حرمنا من ممارسة معتقداتنا الدينية ومنعنا من الحصول على القرآن الكريم أو حتى أي كتاب آخر. إحدى الحقائق الهامة والغريبة كانت الخوف الذي انتابنا من المجهول، ففي كل مرة يتم استدعاؤنا من قبل الحراس ينتابنا شعور بالخوف لأنها تنطوي على رحلة من التعذيب إلى إدارة المباحث الجنائية ليوم أو يومين. كان هذا الأمر يحصل مرة كل أسبوعين حتى تاريخ 28 مايو 2011. كما لم يسمح لنا بالخروج من الزنزانة للقيام بأي نشاط.

تعرضت للعديد من أساليب التعذيب الجسدية والنفسية حتى عند ذهابي للعيادة الطبية بسجن الحوض الجاف، ومستشفى وزارة الداخلية ومستشفى قوة الدفاع على يد الكادر الطبي أو الحراس. تم أخذي مرة لمستشفى وزارة الداخلية لإجراء مزيد من الفحوص للإصابة التي في ظهري. وهناك، تعرضت للإذلال والشتائم اللفظية من قبل الطاقم الطبي وكذلك الحراس. منعت من الدخول على طبيب مختص في إصابة الظهر التي لحقت بي جراء التعذيب في إدارة المباحث الجنائية على الرغم من إصرار طبيب الحوادث والطوارئ. الصور الشعاعية الروتينية للعمود الفقري كانت تشير بشكل مريب إلى سقوط ثلاثة أقراص ولكن الطبيب رفض طلب التصوير بالرنين المغناطيسي من أجل العلاج الطبيعي.

في أحد الأيام، أغمي علي بعد شعوري بعدم الاتزان بسبب الطنين والدوار، لذلك هرعوا بي للعيادة الطبية ونقلوني على الفور في سيارة إسعاف إلى مستشفى قوة الدفاع. بقيت معصوب العينين ومقيد اليدين إلى الخلف بينما كان الحارس يسيء معاملتي ويسخر مني. تعرضت للاستهزاء بسبب معتقداتي الدينية بما في ذلك زواج المتعة، وأنني سوف أحكم بالسجن مدى الحياة وأنني لن أرى عائلتي مجددا. كانت تجربة صعبة عندما ذهبت للمستشفى الذي يفترض أن يكون مؤسسة إنسانية.

إحدى الملاحظات التي لفتت نظري كثيرا في التوقيف المؤقت بالحوض الجاف هو أن الموظفين كلهم من أصول آسيوية وذوي لهجة غريبة. كانوا يتسمون بالوقاحة والقسوة وفقدان المشاعر.

في أحد الأيام من شهر أبريل 2011، نقل الطاقم الطبي لإدارة المباحث الجنائية لتسجيل اعترافات كاذبة لتلفزيون البحرين تحد التهديد. أصدروا لنا تعليماتهم بحزم لقراءة ذات الاعترافات الكاذبة التي ذكرناها في النيابة العسكرية من أجل تفادي التعرض للتعذيب، وبعدها سوف نحصل على عفو ملكي. اضطررنا للاعتراف على بعضنا البعض وفقا لتوجيهات مجموعة من المدعين العامين. استغرقت هذه العملية قرابة 10 ساعات، كما تخللتها إعادة التسجيل مرارا لفبركة القصة. انفجر بعض الأطباء بالبكاء لشعورهم بالخوف من عواقب هذه القضية. كانت تجربة مؤلمة وجرحا عميقا لأن علينا أن نمر بذات المأساة التي تعرضنا لها خلال الاستجواب، ولكن هذه المرة عن طريق الاعتراف أمام الكاميرا وأمام بقية الزملاء. كما طلب منا تعهد للملك ورئيس الوزراء وولي العهد من أجل قبول هذا الاعتذار والعفو عما ارتكبناه من جرائم.

تدهورت صحتي بشكل كبير وبدأت عضلاتي تضمر وفقدت كمية كبيرة من وزني في فترة قصيرة من الزمن. انخفض وزني من 48كج إلى 64كج مما ضاعف من إصابة الظهر التي أعاني منها وصعوبة الاستلقاء على الأرض. كما تأثرت حالتي النفسية بسبب الخوف من المستقبل، وفقدان الدعم العائلي وسوء المعاملة. عانيت من صعوبات في النوم، وانتابتني أفكار انتحارية، وفقدت الاهتمام في المحادثات الاجتماعية وانكفأت على نفسي.

طلبت استشارة طبية حول وضعي النفسي لكن الطبيب رفض السماح لي بلقاء طبيب نفساني.

في يوم 28 مايو 2011، تم نقل المعتقلين الموجودين في الوحدة 5 إلى الوحدة رقم 6. كان المكان مختلفا جدا مما أصاب كل المعتقلين بالصدمة والألم. تتكون الوحدة من زنازين صغيرة من دون نافذة مع وجود 10 معتقلين في كل منها وفي داخلها حمام صغير للاستحمام. وبهذا الوضع الجديد لم يسمح لنا بالخروج من الزنزانة. كان علينا تنظيف الزنزانة والحمام، وإزالة القمامة وغسل أطباق الطعام. استغرقنا عدة أسابيع للتكيف مع هذه البيئة الجديدة.

في يوم 5 يونيو 2011، في الساعة الحادية عشرة مساء أخبرنا الحراس بالاستعداد حوالي الساعة الرابعة صباحا دون أن يعطونا مزيدا من التفاصيل.

في يوم 6 يونيو 2011، وبعد تعصيب العينين وتقييد اليدين إلى الخلف، تعرض الطاقم الطبي للإهانة والضرب على أيدي الحراس مما أدى لكسر في عظمة الأنف لأحد الأطباء. اقتادونا إلى موقع احتجاز آخر لمدة ساعة، ثم نقلنا إلى مكان مجهول مع استمرار الإهانات الجسدية واللفظية. وضعونا جميعا في كابينة صغيرة لمدة ساعة تقريبا، ثم أبقونا في الشمس لساعتين قبل أن نجد أنفسنا في قاعة المحكمة. تم تقسيم الطاقم الطبي إلى مجموعتين دون أية تفاصيل أخرى. في وقت لاحق، علمنا بأن مجموعتنا (20 فردا) متهمون بتهم جنائية، بينما المجموعة الأخرى المكونة من (27) متهمون بجنح. للمرة الأولى، رأيت زوجتي واقفة أمامي كمتهمة، ووالدي كان جالسا مع الحاضرين. صدم الحاضرون والقاضي أيضا بمنظر الطاقم الطبي الذي كان بعضهم يرتدي لباس النوم وبدا عليهم الإنهاك. استمرت جلسة المحكمة 10 دقائق فقط. قرأ القاضي أسماء المتهمين بالترتيب وتلا الاتهامات، وعلم القاضي بأن بعض المتهمين لم يكن لديه محام. كانت جلسة سريعة افتقدنا فيها التركيز وبدت علينا الصدمة والإنهاك، لذا لم أتمكن من استيعاب التهم. سمح لي لأول مرة منذ 19 مارس 2011 برؤية زوجتي، ووالدي، واثنتين من أخواتي ومحامي الخاص لمدة خمس دقائق فقط. تأجلت جلسة الاستماع لتاريخ 13 يونيو 2011.

أعطي المتهمون دقيقتين لمكالمة أسرهم للمرة الأولى، وتلتها زيارة عائلية في إدارة المباحث الجنائية لمدة 30 دقيقة فقط عقدت في كابينة خشبية مصفحة بالبلاستيك وبها فتحات صغيرة للتحدث عبرها. كانت زيارة عاطفية بعد مرور فترة زمنية طويلة من الفراق العائلي.

في يوم 13 يونيو 2011 نقلت مجموعتنا المكونة من 10 من الكوادر الطبية إلى المحكمة من دون لقاء المحامي وتم تطبيق نفس الإجراءات عدا التعرض لنا بالضرب إذ قدمنا شكوى لمدير السجن عن التجربة السابقة. هذه الجلسة كانت سريعة ففيها سئل المتهمون ما إذا كانوا مذنبين أم لا. بالنسبة لي كانت تجربة صعبة لأن القاضي طرد زوجتي لأنها قالت أن هذه الاعترافات أخذت تحت وطأة التهديد والتعذيب.

في يوم 20 يونيو 2011، خصصت الجلسة لشهود الادعاء. كانت الجلسة طويلة استمرت قرابة 6 ساعات. كان الشهود خليطا من موظفي مجمع السلمانية الطبي وإدارة المباحث الجنائية. أصيب الطاقم الطبي بالدهشة لهذه الشهادات المتناقضة، لكن بعضها كان في صالحنا. نفى المسئول في المستشفى مؤامرة احتلال المستشفى. وبعضهم نفى مشاركتنا المباشرة مع المحتجين. بعدها اتخذ القاضي قرارا بأن يكون موعد الجلسة القادمة بتاريخ 29 يونيو 2011.

في يوم 22 يونيو 2011 تم إطلاق مجموعة من الكادر الطبي المتهمين بالجنح بكفالة مالية. كان من بينهم خمسة ممن كانوا معي في نفس الزنزانة، فأصابني انتكاسة نفسية نتيجة الانفصال عن زملائي واجتاحتني نوبة من الخوف. على إثر ذلك نقلت للعيادة الطبية وأعطوني جرعة من السائل المغذي فقط. نقلوني بعدها لزنزانة أخرى مع أخي ولكن هذا الأمر لم يساعدني كثيرا. طلبت من الطبيب في العيادة تحويلي لطبيب نفسي، وبصعوبة كبيرة تم الترتيب لهذا الأمر حيث وصف لي الطبيب النفسي أدوية قوية مضادة للاكتئاب وحبوبا منومة. تدهورت حالتي النفسية مجددا وبشكل أكبر مع أفكار انتحارية متكررة، واكتئاب شديد مما جعل الطبيب يصف لي أدوية أخرى.

في يوم 28 يونيو 2011 أبلغ الحراس الطاقم الطبي بأن المحكمة العسكرية تم إلغاؤها وسيتم تحويلنا إلى محكمة مدنية، ولكن سيتعين علينا الانتظار لمزيد من التفاصيل. أصدر الملك مرسوما نص فيه على نقل جميع القضايا إلى المحاكم المدنية. وبما أن معظم المعتقلين معنا في الزنزانة تم الإفراج عنهم بكفالة فقد تم نقلنا إلى زنزانة أخرى. اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق زارت الطاقم الطبي وعقدت معنا مقابلات مطولة. التقينا أنا وأخي برئيس المحققين الذي أبدى تعاطفا مع قضيتنا. وقد أجرينا معه تحقيقا كاملا حول قضيتنا وقدمنا له شهادة مفصلة. ولاحقا أجرى رئيس المحققين مع مجموعته مزيدا من الزيارات في مركز التوقيف المؤقت.

في منتصف أغسطس 2011، تم نقل الطاقم الطبي لعرضهم على خبراء الطب الشرعي الذين رشحتهم اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق. حدث هذا في مستشفى وزارة الداخلية وتم الكشف علي من قبل طبيبة أمريكية ذات خبرة في الكشف عن آثار التعذيب. أجرت تقييما مطولا معي حول اعتقالي، والتعذيب الذي تعرضت له وسوء المعاملة وكذلك تقييما لحالتي النفسية والجسدية. وثقت الآثار المتبقية على جسدي كدليل على التعذيب على الرغم من مرور وقت طويل عليها. الأمر الملفت جدا بالنسبة لها كان الثقب الموجود في طبلة الأذن اليسرى. هذا الأمر يفسر حالات الدوار المتكررة التي أتعرض لها. كانت هناك آثار باقية على ظهري، وساقي وقدمي. قامت كذلك بتقييم شامل لحالتي النفسية، وأوصت بفحص طبي وتصوير بالرنين المغناطيسي للظهر ومزيد من العلاج النفسي. لكن للأسف لم يحدث أي شيء من هذه الأمور.

بعد أسبوع، تم أخذ بعضنا لعرضهم على الطبيب الشرعي التابع لوزارة الداخلية. وعلى عكس الفحص السابق، لم تستغرق العملية كلها أكثر من 3 دقائق دون وجود تفاصيل أو فحص مناسب.

زار البروفيسور بسيوني الطاقم الطبي في مركز التوقيف واستمع لهم لمدة ساعتين. أطلعه الكوادر الطبية على مجمل عملية التحقيق والاعتقال والتعذيب. أصر عليه أفراد الطاقم الطبي أن يوصل هذه الرسالة للملك نفسه مباشرة للتدخل، فوعدنا بأنه سيرسل توصياته للحكومة وسيناقش الموضوع مع الملك.

قرر الطاقم الطبي في التوقيف الإضراب عن الطعام ردا على تدهور قضيتهم وعدم وجود حلول جدية من قبل الحكومة. بدأ الكادر الطبي هذا الإضراب في يوم عيد الفطر واستمر حتى الجلسة الأخيرة للمحكمة بتاريخ 7 سبتمبر 2011. أخذ الوضع الصحي للكادر الطبي بالتدهور يوما بعد يوم فبدءوا يأخذوننا للعيادة الصحية بشكل يومي لأخذ السائل المغذي.

في يوم 7 سبتمبر 2011، نقل الطاقم الطبي إلى المحكمة للاستماع لشهود الدفاع. بدأت هذه الجلسة في تمام الساعة 11 صباحا وانتهت في الخامسة والنصف مساء. حضر أكثر من 50 شاهدا لكن المحكمة سمحت بالاستماع لـ 26 فقط. شهود الدفاع تألفوا من كبار الأطباء، ممرضات، مساعدين طبيين ومهندسين تابعين للمستشفى. كلهم فندوا تلك التهم وعلى إثر ذلك أطلق سراح الكوادر الطبية بكفالة مالية، وحددت المحكمة تاريخ 29 سبتمبر 2011 موعدا لصدور الحكم النهائي.

في يوم 29 سبتمبر 2011 حكمت علي المحكمة بالسجن لمدة 15 عاما.

إن كنتم ترغبون في مساعدة الدكتور غسان ضيف نرجو أن تكتبوا إلى مؤسساتكم السياسية والطبية وتطلبوا منهم التعبير عن قلقهم. نرجو أيضا أن تطلبوا من معارفكم قراءة هذا الحساب والتوقيع على العريضة، واستخدام هذا الرمز FreeDoctors# في تغريداتكم ومتابعة هذا الحساب على تويتر doctorsinchains@

رابط الموضوع الأصلي:
http://www.doctorsinchains.org/?page_id=235 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Visitors Counter